السبت، 5 أكتوبر 2013

إطلالة على ملحمة أكتوبر




كنت لأجد مبررا أن أكتب بعضا من الكلمات عن حقيقة واضحة وضوح الشمس ، مازالت تتصدر الصفحات الناصعة للتاريخ المشرف لمصر ، وكنت أظن أنها لا تغرب أبدا ، ولكن بعد مرور هذه الفترات الطويلة العصيبة ، أصبحت غائبة ، نسيها الناس أو تناستها ، وطمسها رياح التغيير المر ، واعترتها عوامل هدم كثيرة ، أخرتنا ونالت من تاريخنا ، أهمها سياسة الاستحواذ وأطماع الحكم ، مما دفعنى دفعا لكتابتها حين بلغت حالة من الاستياء والإحباط الشديدين أغلقتا كل قدراتى على مواصلة بث كل بواعث الأمل بداخلى التى طالما أسرفت فى إدعائها. فقررت أن أقف عن صمتى لأصرخ خلاص مايدور حولى من حال تحول لنقيضه فى وسط أجواء مشحونة ومنتفضة تتحول مابين بلبلة من الأفكار المتشابكة والأيديولوجيات التى تضيف إلى الكوارث ردة فى الشعور العام ، وانهزامية لدى وطنية البعض من شباب مصر المغيبين ، التى كان من أهم نتائجها أن أصبحت ظاهرة تفشت بمنتهى العنف خاصة بعد انتفاضة الملايين يوم الخامس والعشرين من يناير 2011 بالإنفلات من قيد القهر والظلم والجور وأكدته فى يوم الـثلاثين من يونيو 2013 بالتخلص من براثن الخونة وخوارج أخر الزمان ، حتى أفاقت من زمن ألاديمقراطية وتخلصت من كهنوت الإختباء والتخفى وأبقت على معنى الوطنية وأكدت عزيمة الرجال التى أذهلت العالم كله يوم السادس من أكتوبر 1973، رغم وجود قلة مازالت تعبس فى ظلام الجهل وتطمس الحقائق عن عمد ، فهم لايعرفون ولايريدون أن يعرفوا ، يريدون فقط أن تعود مصر دائما للوراء . لكن مصر كانت وستظل قوية بقواتها المسلحة رغم كيدهم ، فهى مكمن القوة والقادرة على صنع الرجال ، وهاهم أبطال مجد أكتوبر صناع تاريخنا المشرف .. صناع النصر والشهادة ، الأن هم حماة إرادة الجماهير وشرعيته فى عدم تقبل من يتآمر عليها أو يفكر فى طمس تاريخها العريق ، هاهم من أخرجوا مصر من النفق المظلم ، الذى لايعلم مداه سوى الله سبحانه وتعالى ، إرادتهم  كانت فوق كل الاختلافات : الدينية والمذهبية والعصبية والطبقية والجنسية والسياسية ، فاستعادوا للوطن كرامته وهيبته من الضياع المحكم والمطبق ، إنها الحكمة والتعقل لرجال قواتنا المسلحة فى وقوفهم الكامل وانحيازهم لإرادة شعبهم لأنهم جزء أصيل منه ، وهذه هى مواقفهم دائما منذ عهد مينا حتى سيادة الشعب الأن ، ألم تكن مثالا للوطنية والبسالة والشجاعة , ألم تكن مثالا على روعة الفداء وإنكار الذات ، إننى أتيه فرحا وفخرا بما صنعته قواتنا المسلحة ، فهم فقط من يريدون أن تمضى مصر ودائما قُدما للأمام ، ومن عبور قناة السويس عام 1973 لعبور وطن 2013 ، يسطر التاريخ لهؤلاء الأبطال حروف من نور تروى كفاح شعب ناضل ولايزال .. شعب لايعرف المستحيلَ ، ولايرتضى بالخلود بديلا ، هكذا علمنا التاريخ وأكدته الشواهد والأيام .




كنت أحلل لنفسى أسباب صمتى بدعوى تغير الزمن ، فبمرور حقبة كبيرة على نصر أكتوبر استجدت بعض المتغيرات والتداعيات التى خالفت الملامح المصرية أدخلتنا فى عراء تاريخى لغياب هذه الروح والدخول فى رحاب عالم تداخلت فيه أشياء كثيرة أهمها من وجهة نظرى البث التكنولوجى الموجه والمحفوف بالمخاطر . هذا الجو العام الذى خلق نوعا من بلبلة الأفكار من جراء الزخم المتداخل من إختلاف الآراء والأصوات المرتفعة التى تميل ميلا شديدا للعنف واستخدام القوة ، هى التى غلبت العبث فى التصرفات والتعثر في فهم الحقائق ووضوح الرؤية والاستقطاب الذى ساد روح الخطاب لدى الشباب والذى لاقى رواجا مقبولا لدى المثقفين منهم ، وهذه كارثة ، من هنا جاءت حالة الانحسار لعدم وجود القيادة الملهمة أو الداعمة أو المولدة للروح التى كانت موجودة لدى شباب العبور فى أكتوبر 1973 والتى ترتبت عليها حالة الانكسار التى أصبحنا نعيشها اليوم ونعانى منها لتفسخ الارتباط بماضينا ، بل والبعد عن تراثنا وموروثاتنا وعاداتنا وتقاليدنا ، وإزاء هذا الواقع المرير الذى جاء نتيجة تراكمات عديدة آثرت السكوت ، إذ تاهت الكلمات منى ، ولم أجد الدافع للبحث عنها،  قناعة بوجود فجوة كبيرة ومتسعة أفضت بعدم الإتزان فى فكر البعض وأدت إلى إختلاف الرؤى والاتجاهات مابين مناهض ومناقض مما أوجد بؤرة خطيرة فى نفوس المصريين عمقت الفارق الكبير مابين ماض كان مفعما بروح التضحية والفداء ، وحاضر وقع فى فج عميق يسوده حالة من اللامبالاة يستنكر روح الانتماء ويعظم بل ويروج لثقافات أجنبية دخيلة فى شتى المناحى لمجرد الهوس بها وماتنطوى عليه من تقدم تقنى وعولمة الفكر ، للأسف وقع معظم شبابنا أسيرا لها طواعية ، وأوجد فى نفوس أخرين فكرا مناهضا يعلمون مصدره وخطورته تعاظم لعدم وضوح الرؤية .. فكرا دينيا فاشيا متطرفا من تيارات إسلامية معقدة ومتشابكة خلطت مابين أمور الدنيا والأخرة وبعدت كل البعد عن دولة رسول الله منهاجا وشرعة ، ، فأصبحنا أمام خيارين كلاهما مر ، وهذا دفع بطبيعة الحال إلى الانفصام والتعالى عن حب الوطن لدى الشخصية المصرية بصفة عامة والشباب بصفة خاصة بدعوى أن مصر لم تقدم شيئا لأبنائها حتى يكون لديهم الدافع للانتماء لها ، مما أوجد هذا الشرخ الذى أخذ فى التعمق مع تداول الأيام والسنين ، وهذا جعلنى أتمنى لو أن الزمان يعود بنا لأيام ملحمة العزة والنصر ، حتى نعيش اللحظة الفارقة من الزمن الجميل الذى كان فيه الرجال رجالا ، وكان الانتماء وحب مصر يملأ البسيطة من أرضها ، الأرض الفيروزية الحبيبة الغالية التى طالما ارتوت بالدماء الذكية لابنائها المخلصين ، حتى جاء يوم الثلاثين من يونيو 2013 يوم استرداد العزة والكرامة .


إن يوم السادس من أكتوبر من هذا العام جاء فى ظروف مغايرة ، أيقظتنى من ثباتى العميق حتى وجدت الكلام يتفجر منى ، واسمحوا لى بالعودة للوراء لهذا الزمن الذى لازلنا نرتوى من نهر عطائه المتدفق وبالتحديد مع الساعة الثانية والنصف بعد ظهر السادس من أكتوبر منذ عام الف وتسعمائة وثلاثة وسبعين ، ومع الطلقات الأولى لعبور قواتنا المسلحة للضفة الشرقية من قناة السويس وعبورخط بارليف الحصين ، عندئذ تغير كل شيئ على أرض مصر  ، إنه الميلاد الحقيقى للسلوك والتصرفات والاحساس بالمسئولية .. ميلاد جديد للحب وروح التعاون ، وتجسيد معنى التضحية والفداء ، ودعوة صريحة للعمل المتواصل ، إنه الاستثمار الحقيقى لروح ومجد أكتوبر الذى كنا قد بعدنا عنه كثيرا ، حتى أصبحنا فى حاجة لتعظيم الشعور بقيمة خضوب الأرض من المساحات الشاسعة من الرمال الصفراء التى تحولت إلى حمراء على مدار تاريخها .. تلك الأرض الغالية التى تربعت عليها سماء مصر الصافية برجالها ونسائها وشيوخها وأطفالها ، الأن تصرخ من يصونها بعد أن نالتها يد الخسة والغدر والخيانة من بعض ابنائها الخونة والأفاقين والمرتزقة .. إن مصر الأن تريد من ابنائها الحقيقيين أن يتماسكوا ويترابطوا وأن يهتفوا لها  بنداء الحق ( الله أكبر ) من جديد .. تريد من ينفض عنها غبار السنين الطويلة من التردى والبعد عن روح الوطنية والشعور بالانتماء .. تريد من يشعرها بالأمان من أجيال غفت وأجيال تناست وتعاقبت على جيل أكتوبر العظيم .. تريد أجيالا تضيف لمنظومة النصر ولاتنتقص منه ، تقدم النفيث والغالى .. تقدم الروح والدم  فداء لها مثلما فعل جيل أكتوبر ، صحيح أن الوقت كان يبعدنا أو يلهينا ولكنه لاينسينا أن مصر هى مصر ، وستبقى دائما مصر ، فهى كانت ترى أبناءها دوما مستعدين .. متأهبين .. خاشعين .. لايخافون الطلقات وهى تقترب من صدورهم ، إنها الأن تواقة .. تريد عطاء من ابنائها الذين يقدرون ترابها الغالى ، لأنه أغلى ماتقدمه لهم ، قد فعلها جيل أكتوبر شغفا وحبا حينما استبقوا جنودا فى قواتها المسلحة بعد انتهاء مدة خدمتهم الالزامية سنوات وسنوات وهم فى عمر الزهور فتحوا صدورهم الشامخة يتلقون الطلقات حتى نفدت راح فيها من راح ، وذهب فيها من ذهب ليفتحوا برفق كل أبواب الأمل حتى يطل من ورائها أطفال مصر ليروا المستقبل بعيون جديدة ، وهاهم أصبحوا ملايين وملايين من الشباب ، ولكنهم بدلا من أن يواصلوا منظومة الكفاح والعطاء ذهب بعضهم  لينالوا من إخوانهم فى الدين والوطن ، والبعض الأخر راح ضحية الإعلام الموجه والحالة الاقتصادية المتردية والعولمة وخان منهم من خان وتآمر منهم من تآمر مما روج وبث فى نفوسهم الأنانية والفردية لطمس معالم الانتماء فيها ، وهذا ماوضعنى فى حيرة حينما تأملت الشخصية المصرية وطبيعة تصرفاتها وردود أفعالها وخاصة فى وقت الشدة والمحنة والفتنة كأيامنا هذه ، وضع يفرض نفس التساؤل لماذا تبدد بل واختفى كل ماكان يتحلى به الجيل العظيم من مزايا  .. جيل أكتوبرالذى حارب وحقق الانتصار عن جسارة واستبسال ليخرج للعالم عظمة الإنسان المصرى ، أين هو الأن ؟  لماذا لم يحافظ على انجازاته ؟ لماذا ذهب ولم يعد ؟ هل يرجع هذا لتغير معايير الحياة وتبدل كل أشكالها وممارساتها من رؤى وتوجهات ؟ أم ماذا ؟ اسئلة عديدة تفرض نفسها ولكن لاتجد إجابة ، مفترض أن المسئولية اليوم أثقل لأن تحدياتها أصبحت أكبر والنصر لايحميه إلا مزيدا من الانتصارات ، والمحافظة على البطولات يستوجب مزيدا من العمل .. وأنه ليس أمامنا أية خيارات أخرى ، لقد نفد كل ماكان متاحا بعد تشرذمنا ومواجهة بعضنا بعضا ، ونسينا أن الكل سواء فى منظومة حب الوطن ، إنه لاسبيل أمامنا سوى بناء مصر ومواجهة تحديات المستقبل وتأمين الانتفاضات الشعبية التى هبت رياحها من جديد لتجدد عطاء المصريين ، كى نضيف رصيدا على انجازات التاريخ المصرى الناصع ولايتأتى ذلك إلا بسلامة العقل وقوة العلم والتكنولوجيا الخلاقة وبأفكار مبتكرة جديدة تقدم حلولا ناجزة لقضايا متراكمة مستعصية ‏وقلوب تحب هذا الوطن حبا حقيقيا لابالشعارات ,‏ وليس بالضرورة أن تكون المواجهات بالدخول فى غمار حروب عسكرية جديدة ، بل مواجهة  التحديات بالتحديات نرفع بها عن كاهل بلدنا ماأثقله وخاصة السياسية والاقتصادية والاجتماعية منها ، إنه التحدى الجديد ‏.


ماأحوجنا اليوم إلي انتصارات حياتية في معارك التنمية والتكنولوجيا والتعليم والإدارة ومكافحة الفساد وغيرها من معارك النهوض والتقدم‏ ، فالحرب العسكرية من أجل العقيدة والشرف والعرض ، حرب معلنة وصريحة ، أما حروب التنمية تتم بتوجهات أخرى منظمة وشرسة ، غير معلنة ومجهولة المصدر ، لانعرف من أين تأتى ؟ .. إنها الحرب الاقتصادية التى جاءت متوائمة مع العولمة ، ونحن نعيش فى عالم تضمه سلة واحدة ، البقاء فيها للأقوى ، ونحن لم نكن الأقوى ولا الأفضل ، ولكن هناك حقيقة ينبغى ألا تغيب عن أذهاننا أو ضمائرنا كلما أخذتنا الحياة أو جرفتنا للمناطق البعيدة ، أن قوتنا فى وحدتنا ، وأنها كانت هى القاعدة الاستراتيجية ذات القوة الهائلة التى انطلقت منها شرارة أكتوبر والتى كشفت معها جوهرنا الأصيل . إننا نريد أن نفصل هذا المزج الغليظ حتى يظل شباب مصر متدفقا مع كل قطرات الدم التى اندفعت من الصدور ولم تمت ، وروت الأرض ولم تجف ، إنها دورة متجددة مثل الشمس التى تغيب وتشرق من جديد ، ومثل الأرض الحبيبة الطيبة التى يكسوها اللون الأسمر ثم تخضر ، لقد اختزلت مصر كل أحلامها وكنوزها فى وجوه شبابها السمر الشداد على مدار السنين ، الأن تحلم بعودتهم فى أحضانها من جديد ، اختزنته كى تدفع به لو فكر أو حاول كائن من كان أن يمس كرامتها وعزة ابنائها ، ولم تختزنه كى يطمع فيها طامع أو يدنسها خائن أو يتآمر عليها عميل من أجل عرض زائل أو دنيا يصيبها ، فهل نحن قادرون على إعادة تأهيل أنفسنا كى نتحمل المسئولية من جديد ، هل فى قدراتنا تكرار تحقيق انتصارات أكتوبر ، فى كل شيئ بما يتفق مع الشرعية الحقيقية المستمدة من الشعب وللشعب وتعمل على استقراره والعيش فى سلام ؟ ، إن نصر أكتوبر لازال علامة بارزة فى تاريخ أمتنا العربية ، تفوح ذكراه كل عام ، فنستعيد منه ذكريات العزة والكرامة والفخار . إن الروح العظيمة التى حركتنا فى أكتوبر لقادرة أن تحركنا اليوم وغدا ، قادرة على رسم الطريق ، وقادرة على إنتاج مسببات انتصار أكتوبر كى نحول هذا الانتصار إلى قوة ملهمة نواجه بها تحديات واقعنا الاجتماعي والاقتصادي والسياسي  مع تحمل ابناء مصر المسئولية بإيجابية ــ وأعنى شبابها ــ وتقديرهم العميق لقيمة ترابها واستيعابهم لمعنى الوفاء والتضحية والفداء .. معنى العزة والعيش بكرامة ، وأخيرا التغنى بحب مصر لا بالهتافات وحمل الأعلام فقط ، ولكن بصدق النوايا والعمل الجاد .
       مع خالص تحياتى : عصام                                                       

القاهرة فى 4 من أكتوبر 2013
                                                                                                  








        

الخميس، 15 أغسطس 2013

ولك يامصر فى العمر بقية



ولك يامصر فى العمر بقية

كنت قد عاهدت نفسى منذ مجيئ مرسى إلى سدة الحكم ألا أكتب كلمة واحدة عن مصر طالما أن الأمور لم تعد ترضى أحدا وكثيرا ماكنت أفضل الإختلاء بالنفس أقلب كتبا وأوراقا .. ليالى طويلة تمر ثقيلة خاصمت فيها الإذاعة والتلفاز حتى لاأسمع شيئا يضايقنى أكثر مما أنا عليه ، فلا أرى صورته التى كرهتها من القلب فى صحيفة أو تلفاز أو اسمع نبرات صوته المتداخلة والمتشابكة والمضطربة فى أحاديثه الملفقة الكاذبة والفاقدة لأى وسيلة إقناع لدى سامعيه . فكانت الأيام تمر بصعوبة بالغة والأمور تتشابك وتتعقد ، وكل يوم يأتى يحمل معه أخبارا جديدة لم تكن سارة ولم نكن نحن متقبلين لها ولا نصدقها .. دخول وخروج وجوه كالحة ونفوس مريضة وأذهان غائبة شاردة لادراية ولاخبرة ولامنطق ولاعلم ولاحتى دين ، حتى وجدنا أنفسنا محاصرين بوجوه غريبة علينا أدمنت الوعود الكاذبة وأدارت شكوك المصريين على مدار عام كامل عاشته مصر فى مرحلة دقيقة شهدت خلالها المئات من التظاهرات اتسمت معظمها بالإنقسامات حتي وصل بنا الحال إلى مانحن عليه اليوم من تكفير وفتن بين ابناء الوطن الواحد بل وابناء الدين الواحد ، كانت بعض الأنظمة السابقة تشعل نار الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين بين حين وأخر ، والأن نجد من ابناء ديننا ـــ وللأسف معظمهم  شيوخا كنا نظنهم يوما ما وننظر إليهم على أنهم من الثقات ومن أهل الحل والعقد ـــ من يضرم الفتن ويشعلها  نارا بين ابناء الأسرة الواحدة هذا مسلم وهذا كافر ، أنه الداء الذى ينبغي أن يُقضى عليه بعد أن أفسد الضمائر وأعتلت به النفوس .
أسأل نفسى معتادا كل يوم أهكذا تكون النهاية ؟ أهكذا تخرج مصر بهذا الشكل على مسارها التاريخى وتضيع ثورتها الملهمة للعالم ؟ وياترى ماهو التصور المقبل لأيام  باتت فاقدة المعالم والرؤى ؟! إن ماأراه إنما هو نتاج من ارتباك المفاجأة الذى جاء محفوفا بملابسات كثيرة ، وشعب تصدر المشهد ثم يعود ويتوارى وراء الأستار ، ونحن الذين كنا وبلا فخر شعبا له مقوماته وشكيمته وله المنعة والقدرة والقوة .. شعب اعتاد الرقى وأدمن الجمال وعرف التدين والأخلاق والفضيلة مذ عهد صحابة رسول الله عند فتحهم  لمصر بل وأصبحنا فيما بعد المصدرين للثقافة الإسلامية فى لعالم كله ، فإذا به تتعثر خطاه أمام أفكار شاردة غريبة عن ثقافته وإيمانه بخالقه .. أفكار اجتاحتنا اجتياحا باسم الدين شككت فى كل شيئ وأصبحت مبعثا للفتن تقلب الناس على بعضهم البعض كل يوم كيفما تشاء لنرى مصر وقد اتشحت واسودت وتلبدت سماؤها بالغيوم الكثيفة وتخضبت أرضها  بدماء مصرية عزيزة سالت على ضفاف نيلها مهبط الحضارات الإنسانية ورمز المحبة والعطاء .


 


عشت حالة من الإحباط والخوف والترقب لما سيئول إليه مستقبل هذا الوطن .. فبالأمس القريب عشنا تجربة رائعة مع ثورة عظيمة فى 25 يناير2011 طالما حلمنا بها عبر سنوات طويلة ، تجسدت وجمعتنا على مبادئ وأهداف واحـدة وتصورنا أننا عبرنا نفقا مظلما نستشرف بعده حياة جديدة رحبة ولكن للأسف الشديد خذلتنا الأحلام وتبددت الآمال ووجـدنا أنفسنا غربـاء فى بلدنا حتى جاءت الشرارة فى مشهد  ستاد القاهرة الذى دعت إليه مؤسسة الرئاسة تلبية لإملاءات أمريكية بدعوى نصرة الشعب السورى بمشاركة التيارات الدينية المختلفة التى تدعى الإسلام بدعواتها لتكفير جموع الشعب المصرى من الخارجين على تفكيرهم فى تحد سافر لقيمة ومشاعر المصريين الذين يرفضون الوصاية والولاية من أحد ، ولتسفيه حملة تمرد التى ظنوا أنهم قادرون على إحباطها .. ظنوا ولكن الله خيب ظنهم ، فكانت الإنطلاقة الكبرى لقيام ثورة 30 يونيه بمرجعية ثورة 25 يناير .

وأخيرا قامت الثورة فى يوم من أجمل أيام طلعت عليه الشمس فى أرض مصر ، يوم الثلاثين من يونيو .. يوم استرداد العزة والكرامة ، فيه ارتقت مصر كلها فوق الهامات بالهدير المتوالى للرجال والنساء والأطفال والشيوخ .. خرجت جماهير مصر من كل الربوع .. من الشوارع العامة والخلفية والجانبية.. من الأذقة والحوارى والمنعطفات .. خرجت من أقصاها لأدناها بلا قائد أو توجه سياسى .. خرجت بعفوية الحب لترابها المقدس .. مدفوعة بيقين القلب وفى ثبات تعلو وتزأر لتدافع عن حريتها التى أصبحت فى مهب الريح .. كانت التموجات الهادرة هى الأكثر اجتياحا لكل محافظات وميادين وقرى مصر على مدار تاريخها العريق ، إنها قدرة الشعب المصرى بما عرف عنه من أصالة وروح ووطنية عالية على تخطى كافة العقبات والصعاب ، ملحمة جديدة من النضال الوطنى اهتز معه الغطاء ليكشف لنا ماكان مستورا ، وربما ينكشف لنا أكثر فى الأيام القادمة بتفاصيل أخرى تتضح معه الرؤية بصورة أفضل ، وربما يتزحزح الغطاء بانفراجة كبيرة تنجلى معها الحقيقة بتفاصيل أدق عن مهازل سنة كاملة من حكم الدكتور مرسى وبالتبعية حكم الإخوان الخوارج  الذين حكموا مصر بتوجهات مكتب الارشاد وباتفاقات تمت مسبقا مع الولايات المتحدة الأمريكية وبعض القوى الأجنبية ، لقد أثبتت الأيام أن قدراتهم السياسية محدودة لاترقى لحكم بلد عظيم كمصر . حيث نشأت المعضلة بين مرسى والشعب المصرى من مفهوم جماعة الإخوان المسلمون البرجماتى لبناء دولتهم الذى تبنوه كدولة ايديولوجية مغلقة تستند على استعادة بما أسموه أو كما يحلمون "الامبراطورية الإسلامية" ، وأعتقد أن هذا هو الأساس فى جعل مرسى ليس رئيسا لكل المصريين وإنما ممثل لأتباعه ومؤيديه ، مما أعاق مواجهته لشعبه وعجزه فى كيفية التعامل معه فهو لم يخرج عليه سوى مرة وحيدة يوم فوزه فى انتخابات مشكوك فيها أصلا ويقال أنها باطلة شرعا لاستخدامهم الحيل الدينية بانتحال آيات الله والاقتداء بأحاديث رسول الله فى غير موضعها فى السباق الانتخابى المحموم على البسطاء والمغيبين ، وحتى عندما حكم لم تكن له سلطة التقدير أو ملكة إتخاذ القرار ، فكثيرا ماكان يصدر قرارات جمهورية ثم يعود وينكص فيها فكان لزاما على مصدرالوحى الذى لديه السلطة أن يخرج للشعب ليتحدث وهو مالم يحدث على مدار عام بأكمله ، لأن جماعة الإخوان خوارج أخر الزمان يريدون السلطة فى الظل ليحكموا دون أن يحاسبوا والدولة عندما تتحدث يجب أن يكون بلسان الشعب وهو مالم يعرفه مرسى ، لانه لايفرق بين التسلط والاستبداد وديمقراطية الحكم ونراه يتكلم كثيراعن الشرعية وهو يجهل مبادئها ويفعل عكسها ، وعندما تستوى الأمور لديه فلامانع من تجاوز حدود حكمه الخيانة العظمى للبلاد حيث كان لايخجل من التعامل مع الاجندات الخارجية التى هددت الأمن القومى بتدخلات سافرة من الغير فى شئون البلاد الداخلية وهذا ماستؤكده الأيام القليلة القادمة وسنعرفه حتما بالمستندات وبالمحاسبة القانونية ، كما تعمد تجاهل سقوط القتلى كل يوم بدءا من الأحداث الدامية بورسعيد ومرورا بفض اعتصامات الإتحادية وأحداث شارع محمد محمود المتكررة وقتل الجنود فى رفح وخطف أخرين ، وانشار الحوادث يوميا وجرائم السلب والنهب وانتهاكات الطرق والحرائق التى طالت معظم مؤسسات الدولة وخاصة المحاكم ، والتظاهرات غير السلمية والإعتصامات الإجرامية أمام مدينة الإنتاج الإعلامى والمحكمة الدستورية العليا والاضطرابات المتتالية فى كل محافظات مصر ، وسقوط قتلى يوميا من هنا وهناك مابين جنود من الجيش والشرطة وأفراد من الشعب والتضحية بهم فى سبيل مصالح شخصية ليعيد كشف الوجه الحقيقي لجماعة الإخوان و الخلايا النائمة التابعة لها فى شتى المجالات الرياضة و الإعلام و الفن و القضاء و الشرطة والأزهر والكنيسة ، ليبدى الشعب علانية استياءه من مشهد الحراك السياسى الذى يشهده المجتمع المصرى بمجمله وبتداعياته التى جلبته ثورة 25 يناير وخاصة فيما  يتعلق بمسألة تداول السلطة ، بوضع تمزج فيها القمع والتصلب والتراجع والانصياع لهذه الجماعة المتسلطة والتى لم تكن مطالب الشعب واحتياجاته المختلفة فى الحسبان ، وسط هذه الصورة المركبة والمعقدة غاية فى التعقيد يصبح السؤال حول الوضع الراهن للثورة المصرية ومستقبل التطورات السياسية المتلاحقة أمرا ملحا ويستحق التأمل ، وخاصة مايتعلق منها بالأمن القومى ، إذن ما حدث فى ثورة 25 يناير 2011 ماهو إلا سطو منظم ومسلح على السلطة .





قبيل ثورة 30 يونيو كنت ككل المصريون أجلس أمام شاشة التلفاز أتابع بشغف بالغ كل البرامج الحوارية  والأخبارية وكثيرا ماكان يصيبنى الشعور بالملل والإحباط من الأفكار والحوارات المتكررة والأحداث التى كانت تمر ببطء شديد ورغم هذا كله كنت أراهن على الشخصية المصرية التى اتسمت وعلى مدار تاريخها بالعمق والمصداقية ، لأن مصر تسرى فى الدماء، وإذا أحست بأى خطر يهددها يقوم ابناؤها منتفضين للذود عنها مضحين بالغالى والنفيس .


ودعونى أقف وقفة لإعادة تقييم الموقف عن كثب ونضع ميزان العدالة الناجزة للحقيقية نحتكم فيها إلى آليات الديمقراطية ، فالموجود كان احتلالا لسلطة الدولة عقب قيام ثورة لم يكن الإخوان هم صناعها بل تداعت الظروف حتى اسُقطت فى أيديهم لاعتبارات دولية وصراعات محلية وتحركات مريبة أهمها المؤامرة الدنيئة والمخطط الشيطانى الذى كان فى طريقه للتنفيذ على يد التنظيم الارهابى الدولى برعاية إخوانية إمريكية لتقسيم الشرق الاوسط وترسيم خريطته من جديد ، هكذا كانت المحاولات المستميتة من الادارة الامريكية لتنفيذ مخططاتها التى دعتها لخلق تحالفات مع قوى داخل مصر من أجل تحقيق مآربها وإنهاء الصراع الإسرائيلى الفلسطينى , وليأسها من تحقيق تقدم مُرضى فى الملف الإيرانى ، لقد بنت الولايات المتحدة هذه الشراكة على فكرة الإستعاضة بالإسلام السنى فى مقابل المد الشيعى ليأسها من الملف الإيرانى ولمحاربة الإسلام بالإسلام ، وبالطبع لم تجد أفضل من جماعة رادكالية كالإخوان المسلمين ، فهى جماعة منظمة ومتماسكة ومتشددة فى اعتناقها لمبادئها ومتطرفة عن مجريات الحياة السياسية فى مصر منذ أكثر من ثمانين عاما منصرمة, فإنها كانت ولازالت تسعى بكل قوة الوصول إلى سدة الحكم فى مصر ، ومنه تنفيذ المشروع الإسلامى الكبير , فضلا عن علم الإدارة الإمريكية بأن هذه الجماعة فى سبيل تحقيقها لهذا الأمل لاتمانع من ضرب الأمن القومى المصرى عرض الحائط حيث لا يمثل لهم شيئا ولا يلتفتون إليه وإنما يأتمرون بالتوجهات الصادرة من التنظيم العالمى للإخوان والامتثال لأوامر مرشدهم العام بالسمع والطاعة الكاملين دون نقاش ، كما تعلم أيضا بمدى أطماعهم فى الاستحواذ وحياذة أكبر قدر من مفاصل الدولة وأجهزتها لتمكينهم من السلطة منفردين ، ولايهمهم فى سبيل تحقيق هذا مصالح وأهداف الشعب , لذا بدا الانسجام واضحا مع الإدارة الامريكية التى بدأت بالفعل فى دعمها للجماعة بكل قوة أولا بفرضها الترهيب أبان إدارة المجلس العسكرى لشئون البلاد وماترتب عليه من إنفلات أمنى منظم وفوضى مدبرة، وما نشأ عنهما من هدم للسجون وترويع الآمنين وتخويفهم والجرائم المسلحة والبلطجة الجنائية والسياسية والعنف السياسى المفرط والاستعانة ببعض القوى الإرهابية ، وليست القضية الشهيرة الخاصة باقتحام السجون المعروفة باقتحام سجن وادى النطرون ببعيد وهى القضية التى أتُهم فيها محمد مرسى والكتاتنى وعصام العريان وآخرون بأشخاصهم بالاشتراك مع عناصر من حماس وحزب الله الموثقة بتسجيل من محمول قناة الجزيرة بصوت الدكتور مرسى . وثانيا بفرض شرعية الصناديق وتحملها النفقات الباهظة للإنتخابات البرلمانية والرئاسية والتى قيل أنها تعدت الخمسين مليار دولار , حتى مكنت الجماعة من الحكم بالهيمنة والتزوير والتلاعب بمشاعر المصريين من البسطاء واستقطابهم بالإغداق عليهم بالأموال وتوفيراحتياجاتهم الضرورية لشراء أصواتهم . ومع وصول الجماعة للحكم ـــ وهم لم يأتوا إلى الرئاسة فى ظل أوضاع ديموقراطية مستقرة ـــ  بدأ تنفيذ المخطط الإمريكى الإخوانى المعد والمخطط له سلفا , فأصبحت سيناء مرتعا للجماعات الجهادية الإرهابية من تنظيم القاعدة وكتائب القسام ومنظمة حماس الذراع اليمنى لجماعة الإخوان عن طريق المعابر والممرات الشرعية وغير الشرعية وماأكثرها , وبدأت فى عمل مناوشات بقصد تشتيت وإبعاد الجيش المصرى بل وإنهاكه وإظهاره أمام العالم بوهنه وضعفه , بلغت ذروتها بقتل ستة عشر جنديا فى رمضان من العام الماضي ، وخطف سبعة جنود هذا العام وإظهارهم بشكل مترهئ ومخز إعلاميا أمام العالم ، يأتى ذلك فى الوقت الذى وعدت فيه الجماعة بترك حلايب وشلاتين للسودان, وإعادة ترسيم الحدود مع الجانب الاسرائيلى باقتطاع جزء من سيناء قُدر ببضع وسبعين كيلو مترا فى العمق تُضم لقطاع غزة لإقامة الدولة الفلسطينية عليها لتضيع القضية الفلسطينية هباء وتحريرالقدس إلى الأبد , كل ذلك أدركه الشعب الذكى بفطرته فخرج غاضبا رافضا فى إباء على من أراد أن يهوى به وبمقدساته وبتاريخه إلى الحضيض, ، خرج لكى يُفشل جميع مخططات ومؤامرات الغدر والخيانة والخسة ، خرج الشعب المصرى عن بكرة أبيه كى يسقط النظام فى أكبر تجمع شعبى عرفه تاريخ البشرية فى أيام 30 يونيو و 3 ، و26 يوليو .. فى ثورة استرداد الكرامة من سلطان جائر وجماعة باغية ، خرجت تلك الحشود مؤيدة ومفوضة جيشها العظيم الذى أقسم على حماية الجبهتين الداخلية والخارجية وليس حماية مخططات الخزى والعار والهدم ، خرجت تلك الحشود حيث طلب القائد العام للقوات المسلحة منها ذلك بعد أن انحازت إليه وباعتبار أن المؤسسة العسكرية  ليست لها أرضية سياسية ولاسقف سياسى والشعب وجد نفسه فى عراء تاريخى تملكه الانفعالات والنفور فخرج ليعلنها صراحة بأنه أصبح لديه قناعة بأنه لايمكن ترك الساحة لأى متآمر بعد اليوم ، وأن القوات المسلحة ملك الشعب ومن العمل العام باعتباره ابن الوطنية المصرية وفى ذات الوقت أبوها كما قال عنها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل ، وأن الشرعية باتت فى خطر والتمثيل فى خطر ، وأن الشرعية ليست شرعية الصندوق والرئيس ليس له مطلق الشرعية طالما أنه لم يعد قادرا على التمثيل والتوجه الاستراتيجى لتحقيق آمال وطموحات  شعبه ، وليس له القدرة على إدارة دولة بكل مافيها من فكر ومؤسسات وقوى ، رئيس لم تعد له حيلة ويخدم بطريقة خطأ لم يحدد أولويات ولاتوجد معالم حتى لبرنامجه الانتخابى " النهضة " الذى جاء على خلفية قدرته لحل مشاكل الأمن والمرور والنظافة والكهرباء والطاقة ، وهى المشكلات التي وصفها بالمفتعلة ، وأنها تحتاج فقط مائة يوم كى تستقر أوضعها ويمنع التلاعب فيها، والذى زعم معرفته بآلياتها ، وآليات وجود الدولة العميقة ، وانتشار الفساد ، وانهيار الاقتصاد وأنه سيقضى على كل ذلك . ومر عام كامل فشل فيه مشروعه فشلا ذريعا بل تفاقمت معه مشكلات أخرى استجدت على الساحة ارتفع معها معدل التضخم وخلقت معضلات أكبر أحسها المواطن البسيط فى الشارع المصرى بدءا من الإعلان الدستورى الذى جاء مجحفا ومناقضا للأعراف الدستورية والقانونية فى العالم لرئيس منتخب يصدر إعلانا دستوريا والمفروض أن الدولة بانتخابه انتقلت من الشرعية الثورية للشرعية القانونية ، ويكفى لهذا الإعلان أنه أوجد جبهة معارضة هى جبهة الإنقاذ ، لقد جاء الإعلان الدستورى دعما للفراغ السياسي بدلا من التخلص منه.. وأصبح مالايملك يعطى مالايستحق حيث حصن مجلس الشورى المطعون بعدم دستوريته ومنحه سلطة التشريع كاملة وهى التى لم تحظ إلا بــ7% فى الانتخابات ولم يقر من قبل مشروعات القوانين ولايعرف كيفية إدارة مناقشاتها أو إصدارها، ورغم أن المبرر المعلن من إحالة التشريع إلى مجلس الشورى كان هو إنجاز قانون الانتخابات البرلمانية ؛ إلا أنه تم تمرير عدد كبير وضخم من القوانين التى تخدم سياساتهم ومصالحهم وجاءت جميعها خلوا من أى قانون يحقق العدالة الاجتماعية مما أشعر المجتمع كله بالخطر، كما أنه كبل الحريات بدخول المعارضين من النشطاء السياسيين السجون والاستعداء للسلطة القضائية . ثم جاء على خلفية هذا الإعلان وضع دستور المفترض أنه سيستوعب جميع مؤسسات الدولة ويحقق فيه آمال وطموحات كل القوى الشعبية باختلاف أطيافها بما فيها المعارضة ودفعها إلى العملية السياسية بديمقراطية وحيادية ، ولكن تم سلقه وخطفه فى ليلة امتدت للفجر وهو نتاج جمعية تأسيسية هى الأخرى مطعون بعدم دستوريتها وفاقدة لصفتها التأسيسية فى الأصل ، وصدر فاقد الشرعية لغياب التوافق عليه بعد انسحاب ممثلى مكونات سياسية واجتماعية ودينية أساسية فى المجتمع ،  كل ذلك وغيره كثير أحدث اضطرابا سياسيا وعداوات مع كافة مؤسسات الدولة فضلا عن قلة بل وندرة الاحتياجات الأساسية من سلع ومنتجات حتى رغيف الخبز لم يسلم من هذه الأزمات التى تفاقمت وطالت البترول والكهرباء ، فالخلط بدا واضحا وأوجد الضغط الكافى لخروج الملايين التى كان يسبقها إيمانها وتيقنها بأن صوتها له قيمة فارقة ووجودهم فى الشارع أصبح له مرجعيته وأنهم هم الشركاء الحقيقيون فى صنع قرار هذا الوطن ، وبالتالى صنع حاضره ومستقبله ، وأن الأعراف الدستورية والنظم السياسية تؤكد ذلك وتعرفه بأن الشعب هو مصدر سلطاته وأن الشرعية الثورية مقدمة على شرعية الصندوق إذا ماخرج الشعب وأراد التغيير ، فالشعب أيقن بأن إرادته حرة ولايقبل إهانته ولاإهانة مؤسساته : القوات المسلحة ، الأزهر ، الكنيسة ، القضاء والداخلية كما لايقبل إهانة رموزه السياسية ، ويرى أن المستقبل مرهون بالشباب لأنه لايرتهن بالماضى ولايرتهن بتصفية حسابات ، ولكن لديه إرادة قوة الطلب ويملك صيحة المستقبل ليعلى بهما إرادته فى التعبير ورغبته فى التغيير إلى مستقبل أفضل ولاينقصه فى الأداء سوى الحاجة إلى قيادة حكيمة وخطة طموحة وبرامج محددة قابلة لتنفيذ مطالب شعب كى تستكمل ثورة 25 يناير ـــ الذين هم صناعها الحقيقيون ـــ  تحقيق أهدافها بثورة تصحيح المسار ورد الاعتبار فى30 يونيو ليتوحد شعب مصر من جديد فى ملحمة جمع شمل الوطن ، لتعود مصر لأحضان أولادها الحقيقيين تحيطهم ويحيطون بها بالمحبة والتسامح والآخاء تحت شعار الثورة " عيش حرية .. كرامة إنسانية .. عدالة اجتماعية " وليذهب الأخرون إلى الجحيم ولا مكان لهم بيننا إلى الأبد .
لقد قدر الله لمصر كنانته فى أرضه أن تنهض من رقدتها بعد أن عانت من مرض عضال أوشكت معه على الرحيل ، فكتب  الله لها عمرا جديدا ، إننا جمعيا سنذهب وسيبقى هذا الوطن خالدا ، إنها طبيعة الخلق وأقدار الحياة ، ولكن سنترك على الأرض شهادات  تتصدر صفحات جديدة من تاريخ النضال الوطنى المصرى من صنع أيدينا أذهلنا به العالم ، مخطوطا بدماء ابنائها الذين استشهدوا فداء لهذا الوطن .. أسطورة جديدة تعكس معنى الٌإقدام والشجاعة تأخذ فى طريقا كل من سولت له نفسه خيانة هذا الوطن لعرض دنيوى زائل ومات على دين الملك ، ستتوارى معه محاولاته للزج بالوطن فى غياهب الجب ومنها إلى مزبلة التاريخ ليبقى علامة للتخلف والظلم والجور سرعان ماتطمسها جحافل الأيام وماقسوتها ، ليبقى المعدن الأصيل تراثا حقيقيا موثقا بأسمى معانى الحب والتسامح والترفع والوطنية وسنكون نحن بإذن الله جزءا منه ، ليبقى السؤال ماذا سيكتب التاريخ عنا وكيف سيراه أولادنا وأحفادنا وأولاد أحفادنا من بعدنا ؟ .

مع خالص تحياتى وتقديرى :عصام                                                          

                  القاهرة فى : 12 من أغسطس 2013