الخميس، 15 أغسطس 2013

ولك يامصر فى العمر بقية



ولك يامصر فى العمر بقية

كنت قد عاهدت نفسى منذ مجيئ مرسى إلى سدة الحكم ألا أكتب كلمة واحدة عن مصر طالما أن الأمور لم تعد ترضى أحدا وكثيرا ماكنت أفضل الإختلاء بالنفس أقلب كتبا وأوراقا .. ليالى طويلة تمر ثقيلة خاصمت فيها الإذاعة والتلفاز حتى لاأسمع شيئا يضايقنى أكثر مما أنا عليه ، فلا أرى صورته التى كرهتها من القلب فى صحيفة أو تلفاز أو اسمع نبرات صوته المتداخلة والمتشابكة والمضطربة فى أحاديثه الملفقة الكاذبة والفاقدة لأى وسيلة إقناع لدى سامعيه . فكانت الأيام تمر بصعوبة بالغة والأمور تتشابك وتتعقد ، وكل يوم يأتى يحمل معه أخبارا جديدة لم تكن سارة ولم نكن نحن متقبلين لها ولا نصدقها .. دخول وخروج وجوه كالحة ونفوس مريضة وأذهان غائبة شاردة لادراية ولاخبرة ولامنطق ولاعلم ولاحتى دين ، حتى وجدنا أنفسنا محاصرين بوجوه غريبة علينا أدمنت الوعود الكاذبة وأدارت شكوك المصريين على مدار عام كامل عاشته مصر فى مرحلة دقيقة شهدت خلالها المئات من التظاهرات اتسمت معظمها بالإنقسامات حتي وصل بنا الحال إلى مانحن عليه اليوم من تكفير وفتن بين ابناء الوطن الواحد بل وابناء الدين الواحد ، كانت بعض الأنظمة السابقة تشعل نار الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين بين حين وأخر ، والأن نجد من ابناء ديننا ـــ وللأسف معظمهم  شيوخا كنا نظنهم يوما ما وننظر إليهم على أنهم من الثقات ومن أهل الحل والعقد ـــ من يضرم الفتن ويشعلها  نارا بين ابناء الأسرة الواحدة هذا مسلم وهذا كافر ، أنه الداء الذى ينبغي أن يُقضى عليه بعد أن أفسد الضمائر وأعتلت به النفوس .
أسأل نفسى معتادا كل يوم أهكذا تكون النهاية ؟ أهكذا تخرج مصر بهذا الشكل على مسارها التاريخى وتضيع ثورتها الملهمة للعالم ؟ وياترى ماهو التصور المقبل لأيام  باتت فاقدة المعالم والرؤى ؟! إن ماأراه إنما هو نتاج من ارتباك المفاجأة الذى جاء محفوفا بملابسات كثيرة ، وشعب تصدر المشهد ثم يعود ويتوارى وراء الأستار ، ونحن الذين كنا وبلا فخر شعبا له مقوماته وشكيمته وله المنعة والقدرة والقوة .. شعب اعتاد الرقى وأدمن الجمال وعرف التدين والأخلاق والفضيلة مذ عهد صحابة رسول الله عند فتحهم  لمصر بل وأصبحنا فيما بعد المصدرين للثقافة الإسلامية فى لعالم كله ، فإذا به تتعثر خطاه أمام أفكار شاردة غريبة عن ثقافته وإيمانه بخالقه .. أفكار اجتاحتنا اجتياحا باسم الدين شككت فى كل شيئ وأصبحت مبعثا للفتن تقلب الناس على بعضهم البعض كل يوم كيفما تشاء لنرى مصر وقد اتشحت واسودت وتلبدت سماؤها بالغيوم الكثيفة وتخضبت أرضها  بدماء مصرية عزيزة سالت على ضفاف نيلها مهبط الحضارات الإنسانية ورمز المحبة والعطاء .


 


عشت حالة من الإحباط والخوف والترقب لما سيئول إليه مستقبل هذا الوطن .. فبالأمس القريب عشنا تجربة رائعة مع ثورة عظيمة فى 25 يناير2011 طالما حلمنا بها عبر سنوات طويلة ، تجسدت وجمعتنا على مبادئ وأهداف واحـدة وتصورنا أننا عبرنا نفقا مظلما نستشرف بعده حياة جديدة رحبة ولكن للأسف الشديد خذلتنا الأحلام وتبددت الآمال ووجـدنا أنفسنا غربـاء فى بلدنا حتى جاءت الشرارة فى مشهد  ستاد القاهرة الذى دعت إليه مؤسسة الرئاسة تلبية لإملاءات أمريكية بدعوى نصرة الشعب السورى بمشاركة التيارات الدينية المختلفة التى تدعى الإسلام بدعواتها لتكفير جموع الشعب المصرى من الخارجين على تفكيرهم فى تحد سافر لقيمة ومشاعر المصريين الذين يرفضون الوصاية والولاية من أحد ، ولتسفيه حملة تمرد التى ظنوا أنهم قادرون على إحباطها .. ظنوا ولكن الله خيب ظنهم ، فكانت الإنطلاقة الكبرى لقيام ثورة 30 يونيه بمرجعية ثورة 25 يناير .

وأخيرا قامت الثورة فى يوم من أجمل أيام طلعت عليه الشمس فى أرض مصر ، يوم الثلاثين من يونيو .. يوم استرداد العزة والكرامة ، فيه ارتقت مصر كلها فوق الهامات بالهدير المتوالى للرجال والنساء والأطفال والشيوخ .. خرجت جماهير مصر من كل الربوع .. من الشوارع العامة والخلفية والجانبية.. من الأذقة والحوارى والمنعطفات .. خرجت من أقصاها لأدناها بلا قائد أو توجه سياسى .. خرجت بعفوية الحب لترابها المقدس .. مدفوعة بيقين القلب وفى ثبات تعلو وتزأر لتدافع عن حريتها التى أصبحت فى مهب الريح .. كانت التموجات الهادرة هى الأكثر اجتياحا لكل محافظات وميادين وقرى مصر على مدار تاريخها العريق ، إنها قدرة الشعب المصرى بما عرف عنه من أصالة وروح ووطنية عالية على تخطى كافة العقبات والصعاب ، ملحمة جديدة من النضال الوطنى اهتز معه الغطاء ليكشف لنا ماكان مستورا ، وربما ينكشف لنا أكثر فى الأيام القادمة بتفاصيل أخرى تتضح معه الرؤية بصورة أفضل ، وربما يتزحزح الغطاء بانفراجة كبيرة تنجلى معها الحقيقة بتفاصيل أدق عن مهازل سنة كاملة من حكم الدكتور مرسى وبالتبعية حكم الإخوان الخوارج  الذين حكموا مصر بتوجهات مكتب الارشاد وباتفاقات تمت مسبقا مع الولايات المتحدة الأمريكية وبعض القوى الأجنبية ، لقد أثبتت الأيام أن قدراتهم السياسية محدودة لاترقى لحكم بلد عظيم كمصر . حيث نشأت المعضلة بين مرسى والشعب المصرى من مفهوم جماعة الإخوان المسلمون البرجماتى لبناء دولتهم الذى تبنوه كدولة ايديولوجية مغلقة تستند على استعادة بما أسموه أو كما يحلمون "الامبراطورية الإسلامية" ، وأعتقد أن هذا هو الأساس فى جعل مرسى ليس رئيسا لكل المصريين وإنما ممثل لأتباعه ومؤيديه ، مما أعاق مواجهته لشعبه وعجزه فى كيفية التعامل معه فهو لم يخرج عليه سوى مرة وحيدة يوم فوزه فى انتخابات مشكوك فيها أصلا ويقال أنها باطلة شرعا لاستخدامهم الحيل الدينية بانتحال آيات الله والاقتداء بأحاديث رسول الله فى غير موضعها فى السباق الانتخابى المحموم على البسطاء والمغيبين ، وحتى عندما حكم لم تكن له سلطة التقدير أو ملكة إتخاذ القرار ، فكثيرا ماكان يصدر قرارات جمهورية ثم يعود وينكص فيها فكان لزاما على مصدرالوحى الذى لديه السلطة أن يخرج للشعب ليتحدث وهو مالم يحدث على مدار عام بأكمله ، لأن جماعة الإخوان خوارج أخر الزمان يريدون السلطة فى الظل ليحكموا دون أن يحاسبوا والدولة عندما تتحدث يجب أن يكون بلسان الشعب وهو مالم يعرفه مرسى ، لانه لايفرق بين التسلط والاستبداد وديمقراطية الحكم ونراه يتكلم كثيراعن الشرعية وهو يجهل مبادئها ويفعل عكسها ، وعندما تستوى الأمور لديه فلامانع من تجاوز حدود حكمه الخيانة العظمى للبلاد حيث كان لايخجل من التعامل مع الاجندات الخارجية التى هددت الأمن القومى بتدخلات سافرة من الغير فى شئون البلاد الداخلية وهذا ماستؤكده الأيام القليلة القادمة وسنعرفه حتما بالمستندات وبالمحاسبة القانونية ، كما تعمد تجاهل سقوط القتلى كل يوم بدءا من الأحداث الدامية بورسعيد ومرورا بفض اعتصامات الإتحادية وأحداث شارع محمد محمود المتكررة وقتل الجنود فى رفح وخطف أخرين ، وانشار الحوادث يوميا وجرائم السلب والنهب وانتهاكات الطرق والحرائق التى طالت معظم مؤسسات الدولة وخاصة المحاكم ، والتظاهرات غير السلمية والإعتصامات الإجرامية أمام مدينة الإنتاج الإعلامى والمحكمة الدستورية العليا والاضطرابات المتتالية فى كل محافظات مصر ، وسقوط قتلى يوميا من هنا وهناك مابين جنود من الجيش والشرطة وأفراد من الشعب والتضحية بهم فى سبيل مصالح شخصية ليعيد كشف الوجه الحقيقي لجماعة الإخوان و الخلايا النائمة التابعة لها فى شتى المجالات الرياضة و الإعلام و الفن و القضاء و الشرطة والأزهر والكنيسة ، ليبدى الشعب علانية استياءه من مشهد الحراك السياسى الذى يشهده المجتمع المصرى بمجمله وبتداعياته التى جلبته ثورة 25 يناير وخاصة فيما  يتعلق بمسألة تداول السلطة ، بوضع تمزج فيها القمع والتصلب والتراجع والانصياع لهذه الجماعة المتسلطة والتى لم تكن مطالب الشعب واحتياجاته المختلفة فى الحسبان ، وسط هذه الصورة المركبة والمعقدة غاية فى التعقيد يصبح السؤال حول الوضع الراهن للثورة المصرية ومستقبل التطورات السياسية المتلاحقة أمرا ملحا ويستحق التأمل ، وخاصة مايتعلق منها بالأمن القومى ، إذن ما حدث فى ثورة 25 يناير 2011 ماهو إلا سطو منظم ومسلح على السلطة .





قبيل ثورة 30 يونيو كنت ككل المصريون أجلس أمام شاشة التلفاز أتابع بشغف بالغ كل البرامج الحوارية  والأخبارية وكثيرا ماكان يصيبنى الشعور بالملل والإحباط من الأفكار والحوارات المتكررة والأحداث التى كانت تمر ببطء شديد ورغم هذا كله كنت أراهن على الشخصية المصرية التى اتسمت وعلى مدار تاريخها بالعمق والمصداقية ، لأن مصر تسرى فى الدماء، وإذا أحست بأى خطر يهددها يقوم ابناؤها منتفضين للذود عنها مضحين بالغالى والنفيس .


ودعونى أقف وقفة لإعادة تقييم الموقف عن كثب ونضع ميزان العدالة الناجزة للحقيقية نحتكم فيها إلى آليات الديمقراطية ، فالموجود كان احتلالا لسلطة الدولة عقب قيام ثورة لم يكن الإخوان هم صناعها بل تداعت الظروف حتى اسُقطت فى أيديهم لاعتبارات دولية وصراعات محلية وتحركات مريبة أهمها المؤامرة الدنيئة والمخطط الشيطانى الذى كان فى طريقه للتنفيذ على يد التنظيم الارهابى الدولى برعاية إخوانية إمريكية لتقسيم الشرق الاوسط وترسيم خريطته من جديد ، هكذا كانت المحاولات المستميتة من الادارة الامريكية لتنفيذ مخططاتها التى دعتها لخلق تحالفات مع قوى داخل مصر من أجل تحقيق مآربها وإنهاء الصراع الإسرائيلى الفلسطينى , وليأسها من تحقيق تقدم مُرضى فى الملف الإيرانى ، لقد بنت الولايات المتحدة هذه الشراكة على فكرة الإستعاضة بالإسلام السنى فى مقابل المد الشيعى ليأسها من الملف الإيرانى ولمحاربة الإسلام بالإسلام ، وبالطبع لم تجد أفضل من جماعة رادكالية كالإخوان المسلمين ، فهى جماعة منظمة ومتماسكة ومتشددة فى اعتناقها لمبادئها ومتطرفة عن مجريات الحياة السياسية فى مصر منذ أكثر من ثمانين عاما منصرمة, فإنها كانت ولازالت تسعى بكل قوة الوصول إلى سدة الحكم فى مصر ، ومنه تنفيذ المشروع الإسلامى الكبير , فضلا عن علم الإدارة الإمريكية بأن هذه الجماعة فى سبيل تحقيقها لهذا الأمل لاتمانع من ضرب الأمن القومى المصرى عرض الحائط حيث لا يمثل لهم شيئا ولا يلتفتون إليه وإنما يأتمرون بالتوجهات الصادرة من التنظيم العالمى للإخوان والامتثال لأوامر مرشدهم العام بالسمع والطاعة الكاملين دون نقاش ، كما تعلم أيضا بمدى أطماعهم فى الاستحواذ وحياذة أكبر قدر من مفاصل الدولة وأجهزتها لتمكينهم من السلطة منفردين ، ولايهمهم فى سبيل تحقيق هذا مصالح وأهداف الشعب , لذا بدا الانسجام واضحا مع الإدارة الامريكية التى بدأت بالفعل فى دعمها للجماعة بكل قوة أولا بفرضها الترهيب أبان إدارة المجلس العسكرى لشئون البلاد وماترتب عليه من إنفلات أمنى منظم وفوضى مدبرة، وما نشأ عنهما من هدم للسجون وترويع الآمنين وتخويفهم والجرائم المسلحة والبلطجة الجنائية والسياسية والعنف السياسى المفرط والاستعانة ببعض القوى الإرهابية ، وليست القضية الشهيرة الخاصة باقتحام السجون المعروفة باقتحام سجن وادى النطرون ببعيد وهى القضية التى أتُهم فيها محمد مرسى والكتاتنى وعصام العريان وآخرون بأشخاصهم بالاشتراك مع عناصر من حماس وحزب الله الموثقة بتسجيل من محمول قناة الجزيرة بصوت الدكتور مرسى . وثانيا بفرض شرعية الصناديق وتحملها النفقات الباهظة للإنتخابات البرلمانية والرئاسية والتى قيل أنها تعدت الخمسين مليار دولار , حتى مكنت الجماعة من الحكم بالهيمنة والتزوير والتلاعب بمشاعر المصريين من البسطاء واستقطابهم بالإغداق عليهم بالأموال وتوفيراحتياجاتهم الضرورية لشراء أصواتهم . ومع وصول الجماعة للحكم ـــ وهم لم يأتوا إلى الرئاسة فى ظل أوضاع ديموقراطية مستقرة ـــ  بدأ تنفيذ المخطط الإمريكى الإخوانى المعد والمخطط له سلفا , فأصبحت سيناء مرتعا للجماعات الجهادية الإرهابية من تنظيم القاعدة وكتائب القسام ومنظمة حماس الذراع اليمنى لجماعة الإخوان عن طريق المعابر والممرات الشرعية وغير الشرعية وماأكثرها , وبدأت فى عمل مناوشات بقصد تشتيت وإبعاد الجيش المصرى بل وإنهاكه وإظهاره أمام العالم بوهنه وضعفه , بلغت ذروتها بقتل ستة عشر جنديا فى رمضان من العام الماضي ، وخطف سبعة جنود هذا العام وإظهارهم بشكل مترهئ ومخز إعلاميا أمام العالم ، يأتى ذلك فى الوقت الذى وعدت فيه الجماعة بترك حلايب وشلاتين للسودان, وإعادة ترسيم الحدود مع الجانب الاسرائيلى باقتطاع جزء من سيناء قُدر ببضع وسبعين كيلو مترا فى العمق تُضم لقطاع غزة لإقامة الدولة الفلسطينية عليها لتضيع القضية الفلسطينية هباء وتحريرالقدس إلى الأبد , كل ذلك أدركه الشعب الذكى بفطرته فخرج غاضبا رافضا فى إباء على من أراد أن يهوى به وبمقدساته وبتاريخه إلى الحضيض, ، خرج لكى يُفشل جميع مخططات ومؤامرات الغدر والخيانة والخسة ، خرج الشعب المصرى عن بكرة أبيه كى يسقط النظام فى أكبر تجمع شعبى عرفه تاريخ البشرية فى أيام 30 يونيو و 3 ، و26 يوليو .. فى ثورة استرداد الكرامة من سلطان جائر وجماعة باغية ، خرجت تلك الحشود مؤيدة ومفوضة جيشها العظيم الذى أقسم على حماية الجبهتين الداخلية والخارجية وليس حماية مخططات الخزى والعار والهدم ، خرجت تلك الحشود حيث طلب القائد العام للقوات المسلحة منها ذلك بعد أن انحازت إليه وباعتبار أن المؤسسة العسكرية  ليست لها أرضية سياسية ولاسقف سياسى والشعب وجد نفسه فى عراء تاريخى تملكه الانفعالات والنفور فخرج ليعلنها صراحة بأنه أصبح لديه قناعة بأنه لايمكن ترك الساحة لأى متآمر بعد اليوم ، وأن القوات المسلحة ملك الشعب ومن العمل العام باعتباره ابن الوطنية المصرية وفى ذات الوقت أبوها كما قال عنها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل ، وأن الشرعية باتت فى خطر والتمثيل فى خطر ، وأن الشرعية ليست شرعية الصندوق والرئيس ليس له مطلق الشرعية طالما أنه لم يعد قادرا على التمثيل والتوجه الاستراتيجى لتحقيق آمال وطموحات  شعبه ، وليس له القدرة على إدارة دولة بكل مافيها من فكر ومؤسسات وقوى ، رئيس لم تعد له حيلة ويخدم بطريقة خطأ لم يحدد أولويات ولاتوجد معالم حتى لبرنامجه الانتخابى " النهضة " الذى جاء على خلفية قدرته لحل مشاكل الأمن والمرور والنظافة والكهرباء والطاقة ، وهى المشكلات التي وصفها بالمفتعلة ، وأنها تحتاج فقط مائة يوم كى تستقر أوضعها ويمنع التلاعب فيها، والذى زعم معرفته بآلياتها ، وآليات وجود الدولة العميقة ، وانتشار الفساد ، وانهيار الاقتصاد وأنه سيقضى على كل ذلك . ومر عام كامل فشل فيه مشروعه فشلا ذريعا بل تفاقمت معه مشكلات أخرى استجدت على الساحة ارتفع معها معدل التضخم وخلقت معضلات أكبر أحسها المواطن البسيط فى الشارع المصرى بدءا من الإعلان الدستورى الذى جاء مجحفا ومناقضا للأعراف الدستورية والقانونية فى العالم لرئيس منتخب يصدر إعلانا دستوريا والمفروض أن الدولة بانتخابه انتقلت من الشرعية الثورية للشرعية القانونية ، ويكفى لهذا الإعلان أنه أوجد جبهة معارضة هى جبهة الإنقاذ ، لقد جاء الإعلان الدستورى دعما للفراغ السياسي بدلا من التخلص منه.. وأصبح مالايملك يعطى مالايستحق حيث حصن مجلس الشورى المطعون بعدم دستوريته ومنحه سلطة التشريع كاملة وهى التى لم تحظ إلا بــ7% فى الانتخابات ولم يقر من قبل مشروعات القوانين ولايعرف كيفية إدارة مناقشاتها أو إصدارها، ورغم أن المبرر المعلن من إحالة التشريع إلى مجلس الشورى كان هو إنجاز قانون الانتخابات البرلمانية ؛ إلا أنه تم تمرير عدد كبير وضخم من القوانين التى تخدم سياساتهم ومصالحهم وجاءت جميعها خلوا من أى قانون يحقق العدالة الاجتماعية مما أشعر المجتمع كله بالخطر، كما أنه كبل الحريات بدخول المعارضين من النشطاء السياسيين السجون والاستعداء للسلطة القضائية . ثم جاء على خلفية هذا الإعلان وضع دستور المفترض أنه سيستوعب جميع مؤسسات الدولة ويحقق فيه آمال وطموحات كل القوى الشعبية باختلاف أطيافها بما فيها المعارضة ودفعها إلى العملية السياسية بديمقراطية وحيادية ، ولكن تم سلقه وخطفه فى ليلة امتدت للفجر وهو نتاج جمعية تأسيسية هى الأخرى مطعون بعدم دستوريتها وفاقدة لصفتها التأسيسية فى الأصل ، وصدر فاقد الشرعية لغياب التوافق عليه بعد انسحاب ممثلى مكونات سياسية واجتماعية ودينية أساسية فى المجتمع ،  كل ذلك وغيره كثير أحدث اضطرابا سياسيا وعداوات مع كافة مؤسسات الدولة فضلا عن قلة بل وندرة الاحتياجات الأساسية من سلع ومنتجات حتى رغيف الخبز لم يسلم من هذه الأزمات التى تفاقمت وطالت البترول والكهرباء ، فالخلط بدا واضحا وأوجد الضغط الكافى لخروج الملايين التى كان يسبقها إيمانها وتيقنها بأن صوتها له قيمة فارقة ووجودهم فى الشارع أصبح له مرجعيته وأنهم هم الشركاء الحقيقيون فى صنع قرار هذا الوطن ، وبالتالى صنع حاضره ومستقبله ، وأن الأعراف الدستورية والنظم السياسية تؤكد ذلك وتعرفه بأن الشعب هو مصدر سلطاته وأن الشرعية الثورية مقدمة على شرعية الصندوق إذا ماخرج الشعب وأراد التغيير ، فالشعب أيقن بأن إرادته حرة ولايقبل إهانته ولاإهانة مؤسساته : القوات المسلحة ، الأزهر ، الكنيسة ، القضاء والداخلية كما لايقبل إهانة رموزه السياسية ، ويرى أن المستقبل مرهون بالشباب لأنه لايرتهن بالماضى ولايرتهن بتصفية حسابات ، ولكن لديه إرادة قوة الطلب ويملك صيحة المستقبل ليعلى بهما إرادته فى التعبير ورغبته فى التغيير إلى مستقبل أفضل ولاينقصه فى الأداء سوى الحاجة إلى قيادة حكيمة وخطة طموحة وبرامج محددة قابلة لتنفيذ مطالب شعب كى تستكمل ثورة 25 يناير ـــ الذين هم صناعها الحقيقيون ـــ  تحقيق أهدافها بثورة تصحيح المسار ورد الاعتبار فى30 يونيو ليتوحد شعب مصر من جديد فى ملحمة جمع شمل الوطن ، لتعود مصر لأحضان أولادها الحقيقيين تحيطهم ويحيطون بها بالمحبة والتسامح والآخاء تحت شعار الثورة " عيش حرية .. كرامة إنسانية .. عدالة اجتماعية " وليذهب الأخرون إلى الجحيم ولا مكان لهم بيننا إلى الأبد .
لقد قدر الله لمصر كنانته فى أرضه أن تنهض من رقدتها بعد أن عانت من مرض عضال أوشكت معه على الرحيل ، فكتب  الله لها عمرا جديدا ، إننا جمعيا سنذهب وسيبقى هذا الوطن خالدا ، إنها طبيعة الخلق وأقدار الحياة ، ولكن سنترك على الأرض شهادات  تتصدر صفحات جديدة من تاريخ النضال الوطنى المصرى من صنع أيدينا أذهلنا به العالم ، مخطوطا بدماء ابنائها الذين استشهدوا فداء لهذا الوطن .. أسطورة جديدة تعكس معنى الٌإقدام والشجاعة تأخذ فى طريقا كل من سولت له نفسه خيانة هذا الوطن لعرض دنيوى زائل ومات على دين الملك ، ستتوارى معه محاولاته للزج بالوطن فى غياهب الجب ومنها إلى مزبلة التاريخ ليبقى علامة للتخلف والظلم والجور سرعان ماتطمسها جحافل الأيام وماقسوتها ، ليبقى المعدن الأصيل تراثا حقيقيا موثقا بأسمى معانى الحب والتسامح والترفع والوطنية وسنكون نحن بإذن الله جزءا منه ، ليبقى السؤال ماذا سيكتب التاريخ عنا وكيف سيراه أولادنا وأحفادنا وأولاد أحفادنا من بعدنا ؟ .

مع خالص تحياتى وتقديرى :عصام                                                          

                  القاهرة فى : 12 من أغسطس 2013











ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق