الأحد، 5 يناير 2014

الشباب والتطرف الفكرى




الشباب والتطرف الفكرى
شعرت بمرارة شديدة تجاه مايقره الواقع المصرى الأن حيث حلت به أزمة عنيفة نتاج المناخ الفكرى السائد وماآلت إليه الممارسات التى جاءت تباعا وبقوة كالنار فى الهشيم من جراء جو ثورات أو بالأدق الاحتجاجات شبه الثورية قبل ثورة 30 يونيو وبعدها التى تمثلت فى شكل تموجات عنيفة سواء كانت مفتعلة أو قادها فكر معين موجه انساق وراءه شباب مصر ، للأسف الشباب كانوا هم من اشعلوها والأدهى من ذلك أنهم هم أكثر من أحترقوا بها ولايزالون بسبب حالة غيبة الوعى التى انطلقت منها صيحات التغيير تحت مسميات شتى ، فاختلفت المبادئ المُنادى بها واتخذت اشكالا كثيرة وفقا لطبيعة المرحلة يوما بيوم ، ولذلك جاءت النتائج مخيبة للآمال ، إذ لم نجد العقل المفكر ، أوالقيادة المستحوذة ، ولم يتم الإتفاق على مبادئ ناجزة تحقق العدل والكفاية لإرضاء المواطنين ، فازدادت الفجوة اتساعا بين أجيال الشباب الموجودة باختلاف أعمارهم فى التفكير وسعة الرؤية ، وتباينت تباينا ملحوظا اضطربت معها الحياة السياسية فى مصر كلها حتى طالت أشياء أخرى زعزعة العقيدة عند البعض واردت بالمقدرات لدى الكثيرين منهم ، كما هان على معظمهم المقدسات ، واتسمت بالعنف فى تكدير السلام الاجتماعى وانتشار الفوضى ، واستباحة كل ماهو متعلق بهيبة الدولة والاعتداءات السافرة بتدمير الممتلكات العامة والخاصة وتخريب المنشآت الحيوية . حتى باتوا هم المكون الأساسى لما يحدث الآن من فوضى ، رغم ماحباهم به العلم من تقنيات ، فإن المتابع لما يطُرح الأن على الساحة من أفكار ممن أطلقوا على أنفسهم نشطاء سياسيين وحقوقيين يدرك أنه يُظهر عوارا وأن تيارا عريضا منهم يعانون أزمة أخلاقية قومية وعقائدية شديدة ، وإن كانوا مبدعين على مستوى استخدام الأدوات ووسائل الانتشار، ومهارة التحدث والإقناع والحشد الرقمى الذى بات سهلا جدا بالنسبة لهم فى استخدامهم تقنية العصر للمحتوى الذى فى الغالب مايكون مزورا وردئا ومشوها للحقائق بما ينطوى عليه من تدليس وأكاذيب ولنا أن نتخيل أن محتوى ما يتم تداوله فى أجواء الأزمات التى نعيشها الأن هو محتوى مدبرا بالدرجة الأولى ، وسفيها فكريا وأخلاقيا ويعد تطرفا نمطيا يشبه إلى حد كبير لما كان يحدث فى الثمانينات من تطرف دينى إرهابى حاربته الدولة وقضت عليه وقتئذ ، حتى جاءت ماسميت بثورة 25 يناير على خلفية الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتردية وإن كانت الأوضاع السياسية أخذت شكلا الأكثر سوءا من غيرها ، واستبشرنا خيرا فيها على اعتبار أنها فرصة للخلاص من دكتاتورية الحكم ومحاربة مستنقع الفساد الذى تغلغل حتى فى النفوس ، إلاأن ذلك لم يحدث بل خلف وراءه فكرا منحرفا ملوثا ، فاستُبدلت خطابات التطرف الفكرى فى ثوبه السياسى  بخطابات التطرف الدينى الذى بات فى عالم الذكرى التاريخية المصرية مجرد حدث نجحت الدولة فيه محاربة الإرهاب والقضاء عليه بدحره ودرء براثنه . أما الأن فقد اتخذت شكلا أخر استخدمت فيه أدوات التقنية الجديدة ، سعت إليه الولايات المتحدة الأمريكية بكل قوة  وبمباركتها لمن ركبوا هذه الثورة المزعومة ولاغرابة فى أننى أقول عنها أنها مزعومة لأن الأيام كشفت ولازالت تكشف لنا جديدا كل يوم فى عالم اللعب السياسى الخفى التى تداولته وتناولته أيد خفية كثيرة لاتحب مصر ولاتريد لها التقدم والريادة . وحتى بعد الثورة الحقيقية التى جاءت لتعديل المسار والتى مثلت إبداعة شعبية مصرية خالصة بنزول الشعب فيها يوم 30 يونيو ، إنما جاءت لإحساسه بضياع مقدراته ، وأن هناك تهديدا حقيقيا يحاك بأبسط ضرورات معيشته وحياته حتى أحلامه فى التغيير أيقن أنها ضاعت سدى . فالأمر لم يختلف كثيرا بالنسبة لهم ، فكل ما كان يمس قضايا ومفاهيم وصلت إلى حد المغالاة فى استخدام الإسلام كذريعة وفكر الجماعة كمصدر للحق ، والموقف من الآخر ، والولاء والبراء فى العقيدة والتبعية لشخص القائد ، والتحالفات الفاشية الدينية ، والطرح الشمولى باستغلال الحشد الجماهيرى بمفاهيم الشرعية والإعتصامات ، تم استبداله بمفاهيم مدنية ليبرالية ، لكن بمضامين وشعارات براقة أكثر تطرفا من سابقتها ، كالحرية المطلقة ، والعدالة الاجتماعية الناجزة ، والديمقراطية ، والتعددية السياسية  ، والنظام البائد ، ومفهوم الدولة العميقة ، وحكم العسكر ، والعصيان المدنى ، والنضال السلمى ، وحقوق الإنسان ، إلخ ، مضامين نادى بها الشباب وهى لاتمثل سوى شعارات مصدرة له من الخارج ، فاقدة المعالم ، وغيرمحددة الأهداف ، تضيع معها الحقيقة ولانعرف من يعضد دورها ، ولامُصدرها ولامن يتبناها ، مفرغة من مضمونها وجوهرها ، وفى نفس الوقت وبنفس الدرجة يقومون بالتعامل عكس الاتجاه وفق سياسة التمسح والتمحك تنفيذا لمخططات وأجندات خارجية ممولة بمنطق المطالبة بإقصاء هذا ومصالحة ذاك ومعاداة الغير دونما النظر لإرادة الشعب وقيم ثورته النبيلة ، فالخلط  أصبح واضحا ، والمسألة تدعو إلى ضرورة سرعة معالجة الوضع بغض النظر عن مآل إليه الوضع السياسى الحالى ، لأن الأمر تجاوز شباب الثورة الحقيقيين القليلين الذين انطمروا وسط هذا الطوفان الدخيل وذهبوا فى ظل هذه الأوضاع المتردية للغاية ، وطال أخرين فانحسر منسوب الوطنية لدى الجميع وباتت عوامل الهدم فى تفكيرهم ، وللأسف الشديد يمكننا اكتشاف هذه الأفكار المدمرة من براثن التطرف الفكرى فى تصورهم لمفاهيم الدولة والسلطة والقضايا السياسية العامة بمنتهى السهولة واليسر من خلال جولات يسيرة لأحاديث الشباب ومتابعاتهم للأحداث السياسية فى منصات إعلام الفضائيات وحواريات برامجها التى أصبحت هما على القلب ، وأيضا بتعقبهم فى المنتديات وعلى صفحات التواصل الإجتماعى فى تويتر والفيسبوك وتطبيقات الهواتف المحمولة الفيبر والواتس آب واسكاى بى وغيرها حيث تؤكد أننا إزاء خطر شديد وأن هناك عللا وأمراضا يمكن رصد نموها بشكل مطرد إذا ما تجاوزنا مسألة التطرف الديني والإرهاب إلى ماهو أبعد من ذلك دون الوقوف عليها وحدها ، صحيح أن هذه المسألة يجب ألا نحمل عبأها على الدولة فقط ، ولكننا يجب أن ننظر لها برحابة أكبر لتشمل مؤسسات المجتمع المدنى ، لأن الوعى بأهميتها سيجعل من السهل إطلاق مبادرات ترعاها هذه المؤسسات ، على أن تكون مؤسسات مدنية مصرية خالصة كالجمعيات الأهلية المهتمة بالوعى الاجتماعى والنخب الثقافية وعلماء الأزهر المعتدلين ممن يحظون بثقة هؤلاء الشباب دون تدخل من الأنظمة السياسة ، أوالنخب غير السياسية المتعاملة مع منظمات خارجية لدول أخرى راعية وممولة وتعمل لحساب أجهزة استخبارتية لدول كبرى لأغراض هدم الدولة ، وأن نعظم من دور الخطاب الدينى المعتدل لأنه غائب في هذه المرحلة تماما ، مما أوجد مضامين سياسية مطروحة على شباب اليوم ـــ ومعظمهم يعتقد فيها ـــ وهى مضامين بشعارات دينية تحتاج إلى مراجعة وتحتاج إلى إنتاج هذا الخطاب الدينى المعتدل أكثر منه كوعى سياسى ، لا سيما أن دخول التيارات السلفية التكفيرية وهى تيارات متطرفة كانت منحازة إلى الخطابات التى تحث على العنف والإرهاب من بوابة السياسة  ، مما زاد الأمر التباسا وتعقيدا ، وزد على ذلك طبيعة المرحلة الدقيقة التى تمر بها البلاد . مصر باتت فى حاجة ملحة لتضافر كل الجهود ووضع منهج جديد على غرار منهج إدارة الأزمات يُحكِم التفكير ويناقش الشباب فى كل مايمكن إثارته من توابع الأحداث دون تشويه للحقائق ، شريطة أن يكون الهدف واضحا والإستراتيجية واضحة وأن يكون المجتمع مهيأ لذلك حتى تعود الثقة إليهم تجاه مجتمعهم ، والوطنية لقلوبهم تجاه وطنهم ، ونستطيع الوقوف بهم على أرض صلبة فيعود انتماؤهم لمصر من جديد ، وإن كان الأمل فى سبيل تحقيق هذا ضئيلاً فى البدايات ، لأن البدايات دائما ماتكون صعبة ، ولكن بالإصرار والتحدى سنصل إلى تحقيقه بإذن الله تعالى ، وعشت مصر حرة بأبنائها .


مع خالص تحياتى : عصـــام                            القاهرة فى يناير 2014






  
                                                                                                                                       




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق